بسم الله الرحمن الرحيم
صمود طفل
خرج من تحت الأنقاض طفل جميل في ربيعه الثامن
خرج وهو ينفض عن نفسه غبار الركام
وتبللت يداه بدماء جراحه
فأخذ قطعة من ملابسه الممزقة ومسح بها الدماء المنسكبة
من كل أجزاء جسده النحيل لم يجد ما يضمد جراحه إلا التراب والرماد
طاف بنظره الدامع أرجاء المكان وجد منزله ركاما
فأخذ يبحث بين الركام عن أهله فوجدهم أموات
أخذت الدموع تنهمر من عينيه انهمارا غزيرا
وأخذ يجهش بالبكاء بمرارة وحرقة مؤلمة
ثم صرخ صرخة مدوية عالية , صرخ بأعلى صوته
أنقذوني , أغيثوني , ارحموني , كررها مرارا
ولكن ما من أحد يسمع نداءه ولا يغيث صراخه
وكأنه في واد مقفر لا زرع فيه ولا ماء ولا حياة
ركض في أرجاء المكان وأخذ يعلو بالصراخ فلم يجبه إلا صدى صوته الحزين
فحدث الطفل نفسه ( قد يكون الجميع أموات )
سار الطفل بخطى متثاقلة حتى قادته قدماه إلى وسط شارع مظلم
بل غابة مرعبة رأى وحوشا مدججين بالسلاح رأى مركبات مفزعة
أدهشه المنظر واستوقفه قليلا هول المشهد
لكنه واصل سيره وسط كابوس رهيب
استوقفه أحد الوحوش وأشهر عليه السلاح
فنظر الطفل في وجه ذلك الوحش الكاسر وقال بنبرة صامدة
هل ستقتلني؟؟؟؟
افعل إن استطعت ,
قالها بثقة وصمود فهو لا يهاب الموت !!!!
دهش الوحش من جرأته وقال له بخشونة
ألا تخاف الموت ؟؟؟
حدق الطفل بصرامة بصره وعزة نفسه
وقال : نعم . أنا لا أخاف الموت
لأنني على يقين أن الموت ليس بيدك أوبسلاحك هذا
فالموت بيد الله متى ما قدر لي أن أموت فسأموت
تسمر الوحش في مكانه وتجمدت أطرافه من إيمان الطفل
وقبع في مكانه وفزع من شجاعة وصمود الطفل
فتابع الطفل سيره والوحش الكاسر يرقبه بعين كسيرة
هنا نادى الطفل بصوته الرقيق وألمه المضيض
ألا يوجد في هذه الدنيا سوى الوحوش المفترسة
أين أجد القلوب الرحيمة
ألا يوجد في أرضنا الواسعة سوى الغرباء المجرمين
أين أهلي , أين عزوتي , أين أمتي ؟؟؟؟؟؟
هل أبيدت من على وجه الأرض ؟؟؟؟؟؟
أم أنها عجزت وأصابها الوهن والضعف ؟؟؟؟؟
هل رضور بالانهزام وآثروا السكوت التام ؟؟؟؟؟
ما لهم لا يهرعون لنجدتي ؟؟؟!!!!
مالهم يتركونني وحيدا بين الوحوش ؟؟؟!!!
ما لهم لا يسمعون ندائي ؟؟؟؟!!!!!
ما لهم يعرضون عن إيوائي ؟؟؟!!!
أهكذا أترك لقمة صائغة للوحوش الضارية ؟؟؟!!!
أهكذا ترضون أن تمتهن كرامتنا وتخرس أصواتنا ؟؟؟!!!
هل بلغ بكم الهوان إلى حد الجلوس على طاولات مفاوضاتهم
ليساوموكم على أراضيكم وأعراضكم ومقدساتكم
أتأملون من عدو غاصب , ومتربص فاسد وحاسد حاقد أن يحققوا لكم العدل
ويعيدوا ما سلبوه منكم
ذاك وهم نسجه جبنكم وذلكم وفرقتكم وشتات أمركم
آآآه يا أمتي ,
لقد خارت قواك ونكست هامتك وخفت صوتك
وذلت كرامتك ولانت عزيمتك واندثر مجدك
أنا لن ألين ولن أرضى أن أعيش ذليل
بل سأصمد في وجه الظلم والطغيان
لن أرضى بالهوان
سأكسر من قلبي الانكسار , وسأنزع من عيني ذل الانهيار
لن أطأطأ رأسي ولن تنحني جبهتي إلا لخالقي
نفسي أبت العيش الحقير وذل الحياة الأليم
فقد امتلأ قلبي بنور اليقين وإيمان صادق لرب العالمين
أنا لي صمود أبي وإيمان نقي سيقهر الظلم الردي
سأحمل بيدي الصغيرة حجرا وسأواجه جيوش الظلم وحدي
فقد أيقنت أن لا أحد يقف معي
سأستجمع قوتي المستمدة من إيماني بربي
وسأقف بشجاعتي يعززها صمودي يباركها شموخي تؤيدها عزتي وتساندها كرامتي
سأرمي بحجري وأنا على يقين أنه سيصيب منهم مصاب عظيم
وسيقذف في قلوب الطغاة الرعب
عندها سينخرون جسدي بوابل رصاصهم
وسيمزقون أشلائي بقذائف مدرعاتهم
وستفيض روحي متى قضى الله لها ذلك
ستفيض صامدة أبية كريمة عزيزة شامخة
خير لها من بقاء العيش المهين والعار المشين
يا أمتي , مهما غدر الزمان ودار ومهما تخلى الأهل و الجار
عن أرضي أرض الأحرار لن أتخلى
يا أمتي , أموت كريما عزيزا ولا أعيش ذليلا كسيرا
فلا خير في حياة القلوب الجبانة
هذا صوتي وصلكم فهل تسمعوه أيها الأموات
وتفيض روح الطفل طاهرة أبية صامدة كريمة
ونستمر في مشاهدة المشاهد المؤلمة دون حراك
أسفي على مجد بأيدينا أضعناه