حـــــا دث عـــاطــفـــي

هناك حيث المسافات تفصلهما تعرفت إليه ذات يوم خريفي سقطت فيه كل الأوراق و كل الأقنعة. من سوء حظها آنذاك - أو من حسنه- أن قناع كبريائها الذي طالما ارتده قد كان أول الأقنعة سقوطا. لم تظن أن هذا اللقاء العابر سيصيبها بحادث عاطفي تتوعك خلاله الظروف الصحية لقلبها و تسقط مناعتها تجاه هذا الشعور الذي يجتاحها. لم تظن أيضا أنها قد تتعرض لمثل هذا الحادث و لهذا فهي لم تفكر في التأمين على حياتها، لا تعويضات إذن تنتظرها. حسبها أنها لا زالت على قيد الحياة.
رفعت عيناها عن أوراقها حاملة بين يديها فنجان القهوة إلى شفتيها. استرقت النظر إليه فتفاجأت به ينظر إليها. أشاحت ببصرها تتصنع الهدوء و البراءة لكن تدفق الدم إلى وجهها فضح مشاعرها. قاومت النظر إليه ثانية و ثالثة.. دون جدوى.
طال مكوثها في ذاك المكان على غير العادة. كانت كمن يخوض صراعا بين الإستسلام لعواطفها و انتظار مفاجأة سارة قد تكون على وشك الوقوع أو نفي هذا الشعور الغريب الجميل الذي يراودها.
أزعجتها الابتسامة على شفتيه كلما ضبطها تختلس النظر. كمن يعلن تحديها و يزعم هزيمتها بلا ريب. لعنت نفسها ألف مرة إذ لم تضع حزام الأمان - كعادتها- تحسبا لكل الطوارئ. تماسكت و أعادت ترتيب أوراقها ثم قررت أن تعرضه إلى حادث من نوع آخر.. حادث أدبي لغته الصمت و التجاهل. ارتدت معطفها، حملت حقيبتها و غادرت المكان دون أن تلتفت إليه